google-site-verification=lOlmdetj4fHzhz-NU-ox4dVLX7jhyyv_fPVlXSA7c2Q
Cancel Preloader
محددات الذكاء لدى الأطفال

مدخل

قبل بسط القول في محددات الذكاء لدى الأطفال ، فمن أخص خصائص الظاهرة الإنسانية أنها ظاهرة معقدة. ويقصد بالتعقيد أن أبعادها متداخلة، مرتبط بعضها ببعض لدرجة أن أي تحديد لأي مظهر من مظاهرها لا يمكن اعتباره والتعامل معه منعزلا؛

وفي الوقت نفسه، فإن أي تفسير لأي بعد من أبعاد هذه الظاهرة ليس سوى مقاربة نسبية، يستحيل أن تحيط بالكل. ولابد من الحذر عند تناولها بالدراسة من السقوط في الميكانيكية ووحدوية البعد أو الاختزال؛

والوعي بهذا التعقيد، وصعوبة التناول العلمي هو ما جعل ثورندايك يعتبر أن دراسة طفل واحد وتحليل شخصيته يتطلب جهودا جبارة، لا تقل عن تلك التي تتطلبها دراسة قارة من الناحية الجيولوجية؛

وهو ما حذى ببعض الآراء أن تذهب إلى أن الظاهرة الإنسانية لايمكن تفسيرها بل فقط العمل على محاولة فهمها؛

   لا نريد من هذا التقديم الخوض في إشكالات إبستمولوجية تتعلق بصعوبة التناول العلمي للظاهرة الإنسانية؛

ولا الحسم نظريا في موضوع شائك؛ بل فقط نود لفت الانتباه إلى أن أي حديث عن أي مكون من مكونات الشخصية الإنسانية، لابد من أن يؤخذ بعين الاعتبار فيه خضوعه لعوامل متعددة، ومحددات متداخلة. سواء تعلق الأمر بالميول والاتجاهات أو الشذوذ وألوان الانحرافات .. ولا يشذ موضوع الذكاء عن هذه القاعدة. بل يمكن اعتباره من أبرز المواضيع السيكولوجية، التي تباينت الآراء والنظريات في تناولها سواء على مستوى التعريف، أو طرق القياس؛.

و

وكذلك على مستوى العوامل التي تتحكم فيه وتحدد تجلياته. ورغم أن النظريات السيكولوجية المهتمة بهذا الموضوع، تعددت وتباينت على مستوى المنظور الذي قاربت من خلاله الظاهرة. واختلفت في الأهمية التي يمكن أن تعطى لبعض المحددات على حساب غيرها، إلا أنه يمكن اعتبار أساس التباين؛

هو المشكل القديم الذي يعاود الظهور بأشكال جديدة وهو مشكل الوراثة والبيئة، الفطري والمكتسب. لدرجة يمكن معها القول، أن أغلب التفسيرات السيكولوجية المرتبطة بموضوع الذكاء تنتهي إما إلى البيولوجيا أو السوسيولوجيا؛

وبقدر ما يبين هذا تداخل العلوم وتوقف بعضها على بعض، بقدر ما يطرح علم النفس موضع

تساؤل كعلم مستقل يهتم ببعد معين من الظاهرة الإنسانية ؛

قبل محاولة التطرق إلى كيف تؤثر العوامل الوراثية والمحيطية على القدرات العقلية والتعرف على بعض الآراء في هذا المجال. نشير إلى أن محاولتنا هاته لا تهدف البناء النظري ولا تقصد النقد ولا التركيب؛

بل هي محاولة لتقديم بعض التصورات بشكل مختصر ومركز- والتي رغم وعينا أننا لا نضيف فيها شيئا إلى ماقيل في هذا الموضوع، ولا نستطيع التطرق إليها كلها – فإننا نضع  نصب أعيننا التعامل مع هذه التفسيرات بشكل هادف أي اعتبارها من حيث اغناؤها لموضوع دراستنا

محددات الذكاء لدى الأطفال

محددات الذكاء لدى الأطفال – عادة ما تصنف إلى فئتين، إحداهما تشمل العوامل الوراثية والأخرى تشمل العوامل البيئية. ورغم أنه لايمكننا تعيين أين تنتهي الوراثة ولا متى تبدأ البيئة ولا الفصل بينهما؛

إلا أنه منهجيا يمكننا القول أن المقصود بالوراثة الصفات التي تنتقل عبر الأجيال السابقة إلى الجيل الراهن عن طريق الموروثات أثناء تكوين البويضة المخصبة؛

فالوراثة مفهوم له معناه البيولوجي المباشر ويرتبط بالخصائص الجسمية أو البنيوية الفطرية التي تعتبر عناصر لها أهميتها بما تفرضه من حدود على سلوك الفرد؛

فالأعضاء الصوتية، والعضلات والجهاز العصبي، هي متطلبات سابقة وأساسية لكل سلوك. أما البيئة فيقصد بها مجموع الاستثارة التي يتلقاها الفرد من لحظة إخصاب البويضة في رحم الأم حتى وفاته ونؤكد على الاستثارة، لأن مجرد الوجود الفيزيائي للأشياء لا يؤلف في ذاته بيئة؛

وإنما لابد أن تقوم هذه الأشياء بدورها كمثيرات للفرد سواء تعلق الأمر بما له كتلة وحدود مكانية، أو علاقات ومواقف اجتماعية؛

  يمكن اعتبار أطروحة داروين وسبنسر من بين التصورات التي أكدت على الجانب الفطري البنيوي وأهميته عل السلوك. حيث توصلا إلى أن زيادة حجم الدماغ وتعقد مراكزه مصحوبة دائما بزيادة في مرونة السلوك وتعقده. ولاحظا أنه في الأنواع الدنيا لا توجد إلا استجابات آلية نسبيا إزاء مثيرات البيئة قائمة على ردود أفعال وغرائز. أما في الأنواع العليا، فالسلوك أكثر مرونة وأقدر على التكيف. وقد بنيت على هذا التصور مجموعة من الدراسات التي أكدت على أن الضعف العقلي مرتبط بالخصائص التكوينية كدراسة ج.س.بولتون التي ذهبت إلى أن خلايا القشرة المخية تنقص في عددها وفي انقسامها وتشعبها عند ضعاف العقول عنها عند العاديين. وأبحاث كـ.س.سرينكتون التي أكدت أن التكوين التشريحي لضعاف العقول لا يبدو فقط في نقصان عدد خلايا القشرة المخية بل يبدو أيضا في ضعف الخلايا الجلدية والعظمية والعضلية وفي كل النواحي التشريحية الأخرى؛

كذلك موقف ثورندايك الذي حاول تفسير الذكاء على أساس الوصلات العصبية التي تصل بين خلايا المخ وتؤلف منها شبكة متصلة ؛

وهو يذهب إلى أن الذكاء (محددات الذكاء لدى الأطفال ) يعتمد في جوهره على عدد ومدى تعقيد تلك الوصلات العصبية التي تصل بين المثير والاستجابة أو بين الموقف والفعل ؛

وهي تتراوح عند العبقري من 850 ألف إلى مليون وصلة أما عند الضعيف عقليا فتتراوح بين 25 ألف إلى 80 ألف وصلة (1)؛

و

   قد يعاب على هذه التصورات أنها لايمكن اعتبارها إلا فرضيات لتوضيح بعض النظريات كالنظرية الارتباطية لثورندايك؛

لكنها لم تقم على أسس علمية، وأبحاث تجريبية تثبت وجود علاقة بين الذكاء وحجم الدماغ، أو عدد الخلايا العصبية أو أية مميزات فيزيولوجية أخرى. إلا ان هذا لاينفي وجود صلة بين الذكاء والوراثة. وهذا ما أكدته الكثير من الدراسات ذات المنحى التجريبي على التوائم المتناظرة والعادية والإخوة .. الخ والتي وصلت إلى أن معامل ارتباط ذكاء التوائم المتماثلين مرتفع ويصل إلى 0.90 ويليه الارتباط القائم بين التوائم العاديين المتشابهين في الجنس؛

ثم التوائم المتباينين في الجنس، ثم الإخوة وأبناء العم، ثم الأطفال الذين لا قرابة بينهم والذي يصل 0.27 (2).؛

وهي معطيات تؤكد على عامل الوراثة وتأثيره على الذكاء (محددات الذكاء لدى الأطفال ). لكن الإنسان إذ يرث ذكاءه ، فإنه يرثه على شكل قدرات وإمكانات قابلة للتطور. وقابليات تخضع لحكم تجارب المحيط وظروفه إلى حد بعيد أي إننا إذا كنا نقول بأهمية الوراثة وتأثيرها على ذكاء الفرد، فإن ذلك لا يجب أن يذهب بنا إلى تصور جامد ومحدود وثابث للذكاء؛

وإذا كانت بعض الخصائص البنيوية تعد شروطا ضرورية، إلا أنها ليست كافية لنمو أحد أنماط السلوك، أو لتعيين درجة الذكاء لأن القول الفصل في ذلك يرجع إلى العوامل الاجتماعية. وفي ذلك يقول بياجي؛

“إن المجتمع يحول الفرد في بنيته نفسها. فهو لا يفرض عليه وقائع فقط لكنه يقدم له نسقا معقدا من العلامات يغير تفكيره. ويقترح عليه قيما جديدة ويفرض عليه سلسلة لامتناهية من الإلزامات. إذن فمن البديهي أن الحياة الاجتماعية تحول وتغيرالذكاء عبر الوسائط الثلاثة: اللغة (العلامات) محتوى التبادلات (قيم فكرية) بالإضافة إلى القواعد المفروضة على الذهن (معايير اجتماعية، منطقية أو قبل منطقية) “(3)

بياجي

  إن العوامل الاجتماعية التي تؤثر في القدرات العقلية متعددة ومتداخلة؛

وهي ترجع  بالأساس إلى اختلاف المؤسسات الاجتماعية التي تقدم مثيرات متباينة واتجهات مختلفة وإمكانات تحدث فروقا في نمط الاستثارة الذي توفره لأطفالها. وتؤكد البحوث أن هذه الفروق تنعكس في قدرات الأطفال وقد تفسر التباين الذي قد يلاحظ في نتائجها؛

 ويأتي على رأس العوامل المحيطية المستوى الاقتصادي والاجتماعي للأسرة والذي يتمظهر في مهنة الأب ومقر السكن وعدد الأطفال داخل الأسرة، واتجاهات الوالدين التربوية؛

ونستطيع تأكيد ماسبق ببعض النتائج التجريبية؛

فقد أكد طومسون من خلال بحث أجراه على أكثر من مائة فئة مهنية أن متوسطات نسب ذكاء أطفال ( محددات الذكاء لدى الأطفال ) بعض هذه الفئات كانت كما يلي؛

    رجال الدين 121

   المهنيون 112

   رجال التجارة والأعمال 105-110

  العمال الصناعيون 100-103

العمال والزراعيون 89 – 96    (4)

مما يؤكد أن أصحاب المهن العليا يهيئون لأطفالهم ظروفا أفضل للتنشئة . ويتمثل ذلك في المحصول اللفظي والاتجاهات الإيجابية نحو التعليم. خاصة إذا علمنا أن اختبارات الذكاء التقليدية تركز على الثقافة اللغوية التي تجد كل ظروف توسيعها وإغنائها عند أبناء الطبقات المتوسطة والعليا. مما يسمح لهم بالحصول على درجات عالية في هذه الاختبارات وكذلك بالنجاح المدرسي كما أكدت على ذلك نظرية إعادة الإنتاج؛

و

  وقد حسب هانجرست وبريس (5) معاملات الارتباط بين ستة من اختبارات القدرات العقلية الأولية وتقدير المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فبلغت 0.43 للفهم اللفظي – 0.32 للقدرة العددية -0.30 للطلاقة اللفظية  – 0.35 للقدرة المكانية – 0.83 للقدرة الاستدلالية – 0.21 للقدرةعلى التذكر. واستخلصا أن معاملات الارتباط ترتفع في حالة الاختبارات اللفظية الأقرب إلى اختبارات الاستعداد الأكاديمي. وتنخفض في حالة الاختبارات غير اللفظية؛

نفس الشيء يمكن على أساسه تدعيم سبب وجود فروق ريفية حضرية في الذكاء، فأطفال المدينة مهيؤون للحصول على نتائج أفضل في اختبارات الذكاء والنجاح المدرسي؛

ذلك لأن أسئلة الاختبارات والمقررات المدرسية تشيع فيها معلومات ترتبط بالحياة الحضرية؛

   يؤثر العامل الاقتصادي والثقافي للأسرة في اتجاهات الوالدين نحو التربية. وأشكال التعامل مع الطفل، الذي يؤثر بدوره في القدرات العقلية لهذا الأخير. فقد وجد بالدوين أن ذكاء الأطفال الصغار ينمو بشكل أفضل، في جو أسري يسوده التفاهم والاحترام المتبادل والتقدير، منه في جو تسلطي، أو رافض، أو زائد التسامح والحماية؛

كما أثبتت دراسة بنج التفصيلية لاتجاهات الأمهات نحو تنشئة الأطفال وعلاقتها بقدراتهم، أن وجود درجة عالية من التفاعل بين الأم والطفل، يؤدي إلى زيادة القدرة اللفظية؛

وأن القدرة المكانية تتحسن بزيادة التفاعل مع البيئة الطبيعية أكثر من التفاعل الشخصي الاجتماعي؛

بينما تعتمدالقدرة العددية على التدريب على الاستقلال وتشجيع الطفل على القيام بأعمال معينة وحده (6)

 وأكد لوبرو أن السبب الأساسي في انخفاض الذكاء عند أطفال الوسط الاجتماعي المنخفض يرجع إلى سلطوية الأب أكثر من ضعف المستوى الثقافي للعائلة؛

وذلك لما تخلقه هذه السلطوية من الخوف والقلق والإحباط .(7)

  ويمكن اعتبار الجو الأسري وعدد الأطفال داخل الأسرة واتجاهات الوالدين والمستوى الاقتصادي هي التي تلعب الدور الأساسي في قدرات الطفل العقلية؛

أو هي النواة التي تنمو وتتدهور في ارتباطها بالفضاء المدرسي ، وما يهيئه من شروط مدعمة أو محبطة للطفل؛

فكما أن البيئة لا تعمل إلا على أساس المعطيات البنيوية الوراثية ، كذلك المدرسة لا تؤثر إلا على أساس المعطيات السوسيوثقافية التي تهيئها الأسرة؛

فالوسط المدرسي – ومنذ مرحلة التعليم الأولي – يمكن اعتباره وسطا مثيرا مفيدا للبعض لكنه محبطا بالنسبة لآخرين

و

  ويرتبط بالعوامل الوراثية والبيئية وتأثيرها على الذكاء، جنس الطفل. وذلك لأنه يمكن من جهة أن توجد روابط جنسية في الموروثات تعمل على تحديد مستوى الطفل وأدائه في القدرات المختلفة. ومن جهة ثانية، لأن الثقافات تختلف في تحديد أدوار كل من الجنسين، وما يرتبط بها من قدرات؛

وإذا كانت البحوث تتباين في نتائجها حول الذكاء العام للجنسين، بين من يذهب إلى أن البنات أفضل أداء من الأولاد في اختبارات ماقبل المدرسة؛ وأن الأولاد أفضل من البنات في مرحلة المراهقة وبعدها؛ أو عكس هذا الرأي حيث يقول بورت بعد أن راز ذكاء 3000 طفل؛

“إن الاختلاف يبلغ أقصاه حوالي السادسة أو السابعة، أما في العاشرة، فإنه ينقلب لصالح الصبيان لكن البنات لا يلبثن أن يستعدن تفوقهن الذي يبدو جليا حوالي الرابعة عشرة ” (8)؛

بورت

وبين من يؤكد على أنه لا توجد فروق بين الجنسين في الذكاء العام. إلا أن أغلبها يجمع على أن التباين بين الجنسين يكون على مستوى خصوصيات محددة . حيث تؤكد أغلب الدراسات أن الذكور أكثر تفوقا في الاستدلال الحسابي والتصور البصري والقدرة المكانية وفي التآزر العضلي الغليظ. بينما تتفوق الإناث في الطلاقة اللفظية والسرعة الإدراكية والذاكرة والتآزر العضلي الدقيق (9)؛

   وقد يرجع ذلك إلى الاختلافات الجسمية المرتبطة بكل جنس. أو إلى الميول التي تغرسها الثقافة. والتي تجعل من الذكور أكثر ميلا إلى السيطرة والنشاط العنيف والعمل الميكانيكي والحسابي والنظري. وتدفع البنات إلى الميول الجمالية والأدبية والخدمات الاجتماعية والمنزلية؛

    كما يرتبط بالعوامل الوراثية والبيئية وتأثيرها على الذكاء، عمرالإنسان. فقد أكدت نتائج روائز الذكاء صحة الحقيقة القائلة بأن الذكاء ينمو. لكنها انتهت إلى نتيجة قد تبدو مدهشة وهي أن هذا النمو يتوقف حوالي السادسة عشرة من العمر. ويعتقد توسون أن توقف تحسن درجات الإجابة على اختبارات الذكاء، لا ينشأ عن توقف نمو الذكاء وإنما ينشأ بسبب استحالة وضع روائز للذكاء تكون بمقدار من الصعوبة مناسب للأذكياء المتقدمين في السن، وتكون في الوقت نفسه قاصرة في مادتها على المعارف العامة (10)؛

خاتمة محددات الذكاء لدى الأطفال

رغم تعدد هذه المحددات، التي أكدت أغلب البحوث التجريبية أنها تؤثر في الذكاء، فإننا نرى أنه لا يجب التعامل معها بالفصل فيما بينها. والتركيز على أحدها دون غيره والتأكيد على أنه الحاسم في تباين القدرات العقلية؛

ذلك لكونها مترابطة متداخلة تتبادل التأثير والتأثر فإذا أخذنا مثلا العوامل الاجتماعية، فمن السهل ملاحظة أن المستوى الثقافي للأبوين، واتجاهاتهما التربوية، ومستوى الدخل، وعدد الأبناء داخل الأسرة، ومقر السكن، والأشخاص الممكن الاحتكاك بهم، ونوع التغذية والأمراض الممكنة … الخ؛

كل هذا يكون كلا مترابطا يسمح باختزال التعدد والتباين في مفهوم الطبقة الاجتماعية. وإذا كنا نرى أنه لايمكن الفصل في العوامل البيئية والتأكيد على عامل منها دون غيره. فإننا نضيف أن هذه العوامل في كليتها لا يجب اعتبارها المحدد الأساسي لطبيعة الذكاء والقدرات العقلية؛

كما ذهب إلى ذلك لامارك وبعده أنصار الاتجاه السلوكي الذين يؤكدون على دور المحيط والتربية والتعلم في انبناء الشخصية. بل لابد من اعتبار أن المثيرات البيئية لا يمكن أن تشكل نقطة الانطلاق في ذلك الانبناء. بل هي تندمج مع التنظيمات الأولية القائمة عند الشخص والتي تتمثل في معطياته البيولوجية؛

ولقد توصل بياجي بملاحظاته على أبنائه إلى أن الطفل الذي تلقى تدريبا أطول من الآخرين، قد نجح في أداء بعض الحركات وتخطى أخويه؛ لكن الواقع يشير إلى أن الطفل الذي لم يتدرب على تلك الحركات، ما لبث بعد قليل أن قام بها (11)؛

مما يثبت أن المحيط والتعليم ليس كل شيء. ومهما كانت عملية التدريب واسعة، فالطفل لا يتوصل إلى المشي قبل الشهر التاسع أو العاشر ولايتوصل إلى اللغة قبل السنة الأولى. فذكاء الطفل بالتالي وقدراته العقلية لا هي فطرية ولا هي مكتسبة. بل تعتمد من جهة على الانبناءات العصبية أو البيولوجية التي تضع أمام الطفل إمكانات معينة لا تلبث أن تتجسد وتقترن بمعطيات المحيط والتجربة؛

فالتفاعل بين الوراثي والمكتسب هو الذي يحدد مستويات النمو العقلي وتباين القدرات العقلية. وهذا ما يؤكده بياجي في حوار له حيث يقول: “إن العوامل الوراثية تلعب بداهة دورا في تطور الذكاء. لكن هذا لدور يقتصر على خلق بعض الإمكانات لا على تحقيقها. وهذا يعني بألا وجود لبنيات فطرية في الذهن البشري تتموضع بشكل عفوي؛

وكما شددت على ذلك فإنه لابد لبنياتنا الذهنية أن تبنى؛ لذا فإن العوامل الوراثية لا تكفي وحدها لتفسير مايحدث حقا في كل طور” (12) ؛

الإحالات

1-  فؤاد البهي السيد  ” الذكاء”  دار المعارف 1986 الطبعة :7   ص : 192-193

2-  فاخر عاقل ” علم النفس ” دار العلم للملايين  بيروت 1984  الطبعة : 9، ص : 441

3 –Jean piaget  «  psychologie de l’intelligence » Armand              colin   Paris 1967   2eme d  P :167

4 – فؤاد أبو حطب ” القدرات العقلية ” مكتبة الأنجلو مصرية  القاهرة 1992، ص : 490

5–  فؤاد أبو حطب   نفس المرجع ..     ص : 492

6- فؤاد أبو حطب   نفس المرجع ..      ص: 499

        7- Henri slavat   «  L’intelligence ,mythes et realités »                 Editions sociales    Paris 1976    P : 169

8فاخر عاقل   المرجع السابق     ص : 448

9-  فؤاد أبو حطب   المرجع السابق     ص : 506

10-  فاخر عاقل     المرجع السابق     ص : 444-445

11- غسان يعقوب   ” تطور الطفل عند بياجي ” دار الكتاب اللبناني   بيروت، ص : 62

         12- فؤاد أبو حطب   المرجع السابق   ص: 235

كتبه الأستاذ نور الدين خير الله

2 Comments

  • The point of view of your article has taught me a lot, and I already know how to improve the paper on gate.oi, thank you.

  • 2volition

رجاء اترك تعليقا لتجويد الخدمات

فضاء التكوين في مهن التربية