google-site-verification=lOlmdetj4fHzhz-NU-ox4dVLX7jhyyv_fPVlXSA7c2Q
Cancel Preloader
مراحل النمو لطفل التعليم الاولي

إن تقسيم الحياة الإنسانية  إلى مراحل وأطوار النمو، هي من مستلزمات الذهن الإنساني الذي يحاول التفسير والتتنبؤ، فيقطع أو يثبت من أجل تسهيل التعامل والوصف والتحكم، ذلك أن الظاهرة الإنسانية المتميزة بالتعقد والتغير، لايمكن مقاربتها علميا، إلا إذا عزلنا متغيراتها المتشابكة وأوقفنا صيرورتها؛

وحاولنا فهم الكل عبر الأجزاء المكونة له، وعلى الرغم من أن تجزيء الظاهرة الإنسانية يسقطنا في خطأ تشييئها، وهي مجازفة تحتم إغفال الكثير من خصائصها، إلا أنه السبيل الوحيد لتحقيق بعض من الموضوعية والسماح بإمكانية التجريب والقياس النمو وحتى إن فهمنا أن التقطيع والتقسيم  هو منهج للتعامل أكثر منه وجود فعلي وحقيقة واقعية، فإنه يثير مجموعة من الأسئلة، لابد لكل باحث في هذا المجال أن يعتبرها درعا معرفيا يبعده عن الأحكام القطعية والنظرة الأحادية ويسلحه بالفكر النقدي التركيبي الذي يحاول أن يستفيد من تعدد زوايا النظر للإحاطة بهذا الموضوع المتميز ملما بجل خصوصياته

من بين هذه الأسئلة

  – هل هذا التقسيم يتماشى وطبيعة الأشياء؟ بمعنى،هل ماتؤكد عليه الأدبيات السيكولوجية كسمات عامة لبعض أطوار النمو، توجد فعلا عند الأفراد؟ وإذا كان الأمر كذلك ، فما دور المحيط والاختلافات السوسيوثقافية؟ وبأي معنى يمكن الحديث عن الفروق الفردية التي تكون مبحثا خاصا داخل السيكولوجيا؟

ألا يفيد الحديث عن مراحل للنمو، نوعا من القطائع؟ وكأن بعض السمات وقف على مراحل دون غيرها ؟ أليس قي هذا نوع من الاختزال للسلوك الإنساني وللشخصية ؟ وحتى إن سلمنا بأن هناك أطوار وسمات خاصة بكل مرحلة ، فما أساس هذه السمات المشتركة ؟ إنها لايمكن أن تكون البيئة ، لأن البيئات متباينة. فهل هي الوراثة ؟

إن القول بأن هذه السمات فطرية، لن يفيد إلا أن الإنسانية تكرر ذاتها. في حين أن مراحل بخصوصياتها لم تظهر إلا نتاج ظروف حضارية؛

حيث تثبت بعض الدراسات الأنثروبولوجية، أن الكثير من الخصائص التي تؤكد عليها بعض النظريات السيكولوجية باعتبارها خصوصيات لمراحل معينة لا وجود لها في ثقافات مغايرة. كأزمة المراهقة، أو عقدة أوديب ..الخ

مشاكل التقسيم

ما هي الفائدة العملية التي يمكن أن نجنيها من وراء هذا التقسيم؟ وهل بإمكان هذا التقطيع أن يمدنا بقواعد ذهبية  تفيد في مجال التربية والتعليم؟ وهل تحديد السمات العامة لكل مرحلة من مراحل النمو كفيل بإعطائنا المقياس الذي يسمح بالتمييز بين السوي والشاذ من السلوك؟

 إن طرحنا لهذه التساؤلات لم يكن بهدف الإجابةعليها، لكن بهدف تسليط بعض الضوء على الإشكاليات التي تحيط بظاهرة النمو. وكذا رغبة منا في التخلص من الأحكام القطعية والتصورات الجازمة التي نميل إليها. ولتبيان أن ما يمكن قوله عن المرحلة التي نحن بصددها يبقى نسبيا تقريبيا. يقف عند حد رسم الملامح العامة لبعض مكونات طفل ما بين الثالثة والسادسة وهي المرحلة العمرية التي سينصب عليها اهتمامنا. والتي نرى ضرورة الوقوف على بعض ما تتميز به من خصوصيات جسمية واجتماعية وعقلية وانفعالية والتي يمكن اعتبارها دعامات قد تفيدنا في فهم سلوك الطفل وتسلحنا بإمكانية التجاوب معه. وكذلك تجعل تربيتنا لا تتناقض وهذه الخصوصيات. بل على العكس ستمكننا كمربين، من تقديم أفضل الإمكانات للطفل من أجل تطوير كفاياته وتحقيق ذاته. وكلها أهداف لن تتأتى إلا بمعرفة مراحل النمو وخصوصياتها بشكل عام، ومرحلة ما بين الثالثة والسادسة كهدف خاص لما نحن بصدده

مراحل النمو الخمس

 إن الحديث عن مراحل للنمو، تعرضت له الكثير من الدراسات ذات المنحى العلمي، لكن بعضها لم يخل من مواقف تأملية. حيث ذهبت بعض النظريات، إلى أن الطفل في سيرورة نموه يمر بنفس المراحل التي مر منها الجنس البشري، فحياة الفرد هي تلخيص لحياة النوع . لذلك سميت بالنظريات التلخيصية. وعلى رأسها نظرية ستانلي هول التي قسمت حياة الكائن إلى خمس مراحل

  المرحلة الحيوانية بالنسبة للنوع، تمتد عند الطفل من الميلاد إلى الخامسة من عمره. يهتم فيها بإشباع مطالب جسمه

 مرحلة القنص والصيد بالنسبة للنوع تمتد عند الطفل من سن الرابعة حتى الثانية عشر. يهتم فيها بالنشاط الحركي واللعب

  ثم مرحلة الرعي والاستقرار بالنسبة للنوع ، تمتد عند الفرد من سن التاسعة إلى الرابعة عشر حيث تظهر نزعات حب التملك، والاقتناء مرحلة الزراعة واستغلال الطبيعة بالنسبة للنوع ، تمتد عند الفرد من الثانية عشرإلى التاسعة عشر وتظهر فيها نفس الخصائص السابقة

مرحلة التجارة بالنسبة للنوع وتبدأ عند الفرد من سن الثامنة عشر فما فوق. حيث تظهر الرغبة في التعامل مع الغير، والأخذ و العطاء

  إذا تجاوزنا هذا الموقف، لما يتصف به من تعميم لاعلمي، وتقطيع تعسفي اختزالي، فإننا سنجد أن تقسيم حياة الكائن الإنساني إلى مراحل يختلف باختلاف الأساس المعتمد في التقسيم. حيث ركزت بعض النظريات على البعد الجنسي . وأخرى على البعد العقلي. وثالثة على الجانب التعلمي أو الاجتماعي. وهذا ما يلاحظ انطلاقا من التسمية التي يعطيها كل تصور لهذه المراحل. حيث نجد (المرحلة الفمية، الشرجية، القضيبية، الكمون..) أو ( الحسية الحركية، القبل-إجرائية، العمليات المشخصة ..) أو (القبل مدرسية، الابتدائية، الإعدادية..) .. وحتى لانسقط في نظرة أحادية، فإننا سنحاول الاستفادة من مجموعة من المواقف، ونركز خاصة على تلك التي اعتمدت الملاحظة المباشرة للأطفال، أو على بعض معطيات التحليل النفسي. ليس بهدف عرض ما جاء فيها، لكن بهدف قراءة نتائجها قراءة تغني زوايا نظرنا إلى طفل التعليم الأولي، وتساعدنا على التعامل معه، بأقل أفكار مسبقة، وأكثر مرونة وتفهم؛

خصائص مرحلة طفولة التعليم الأولي

سنحاول إيجاز الخصائص المسيطرة على سن ما بين الثالثة والسادسة. مشيرين في الوقت نفسه، إلى متطلباتها والتوجيهات المرتبطة بها. حتى لا نقصي الجانب العملي والذي هو هدف كل تربية قبل الانتقال إلى تحديد خصائص طفل التعليم الأولي باعتبار أبعاد معينة، لابد من وقفة  نشير فيها إلى السمات العامة التي تحكم هذه المرحلة، محاولين في الوقت نفسه الإشارة إلى بعض التجارب السيكولوجية التي تثبت وتزكي فكرة السمات العامة المرتبطة بمراحل النمو

 يلخص عبد الفتاح دويدار السمات الأساسية لأطفال هذه المرحلة فيما يلي “استمرار النمو بسرعة، لكن أقل من سرعته في المرحلة السابقة. والاتزان الفيزيولوجي والتحكم في عملية الإخراج وزيادة الميل إلى الحركة والشقاوة ومحاولة التعرف على البيئة المحيطة والنمو السريع في اللغة .. واكتساب مهارات جديدة وبداية التنميط الجنسي والتوحد مع نماذج الوالدين وتكوين المفاهيم الاجتماعية وبزوغ الأنا الأعلى وتكوين الضمير”؛

الأطوار

  من بين التجارب التي يمكن اعتمادها للبرهنة على أن هناك سمات عامة تتميز بها كل مرحلة من مراحل النمو. وأن هناك سلوكات قاعدية ترتبط بأطوار معينة نذكر ما أورده hadfield في كتابه “enfance et adolescence” حول بعض تجارب Arnold Gesell على التوائم المتشابهة. حيث استخلص هذا الأخير أن سلوكها متماثل تماشيا مع عمرها. ففي الأسبوع السادس عشر من عمر التوأمين، ينظران معا إلى المكعب الموضوع أمامهما، ولا يبذلان أي جهد لتناوله. وفي الأسبوع العشرين يمدان معا أيديهما نحوه. وبين الأسبوع الرابع والعشرين إلى الثامن والعشرين، يتناولان المكعب وسضعانه في فمهما. مما يثبت أن هناك سلوكات قاعدية ذات أساس فطري وغير مرتبطة بالتربية. بل لقد أثبت نفس العالم انطلاقا من تجارب أخرى على التوائم، أنه من من بين  621 سلوكا منفصلا وجد 513 سلوكا متشابها، فهل يعني هذا أن ليس هناك إلا الفطري ؟ وأن لا دور للبيئة وبالتالي للتربية؟

لتجاوز هذا الحكم المسبق – وكذا الموقف المضاد والذي نجد جذوره في فلسفة لوك ومفاده أن الطفل كائن سلبي مماثل لقطعة شمع يمكن أن تتشكل كما أردنا. والذي ستتبناه المدرسة السلوكية، والمتمثل في تصريح واطسون، أن بإمكانه أن يصنع ما يريد بعدد من الأطفال إذا توفر لديه الزمن الكافي – نقول أن هناك استعدادات موجودة عند كل طفل، لكن الوسط والتعلم هو الذي يسمح لها بأن تعبر عن نفسها وتتطور. أي أن المحيط والعالم المادي هما بمثابة أدوات ووسائل بواسطتها تعبر الاستعدادات الطبيعية عن نفسها وتنمو

ونتساءل…؟

 سؤال آخر يطرح نفسه بالنسبة لهذه التجارب، فهل هذه السلوكات تظهر فجأة أم أن هناك تدرج حتى تكتمل الكفايات ويستطيع الطفل أداء بعض المهارات ؟

 إن الملاحظة المباشرة تبين أن الطفل قبل أن يتعلم المشي لابد له من الوقوف والاعتماد على الأشياء. وقبل ذلك، لابد من الحبو والجلوس ..الخ وعندما سيتعلم المشي فإنه لن يقف عند هذا الحد بل سيطوره إلى الجري والتسلق والقفز .. فماذا يستنتج من هذه الملاحظات التي يعرفها الكل؟

 نستنتج من ذلك أن عملية النمو عملية متدرجة ذات حلقات متصلة. فالطفل ينتقل من مرحلة إلى المرحلة التي تليها بالتدرج. ورغم أن لكل مرحلةخصائصها إلا أن هذه المراحل لا تنفصل بعضها عن البعض انفصالا مطلقا، بل كل مرحلة هي تتويج لسابقة وتمهيد للا حقة. وبالتالي فإننا حينما نتحدث عن بعض خصوصيات الطفل ما بين الثالثة والسادسة فلابد من الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الخصائص ليست وقفا على هذه المرحلة، بل يمكن أن نجد جذورها في سن سابقة كما يمكن أن يستمر البعض الآخر منها لسن لاحقة

  نقطة أخرى لابد من الإشارة إليها قبل تناول خصائص هذه المرحلة. هو أنه من خلال الاطلاع على بعض الأدبيات السيكولوجية ، يمكن القول أن هناك موقفان بالنسبة لتحديد هذه الخصائص. إما تعامل كيفي يركز على الخصائص الذهنية والسمات السيكولوجية والاجتماعية المسيطرة، أو تعامل كمي ينظر إلى النمو باعتباره الزيادة المطردة في الطول والوزن وعدد المفردات المكتسبة أو المشاكل التي يمكن حلها. وكلا الموقفين يمثل جانبا من الحقيقة فلا يمكن الوقوف على خصائص النمو ونحن نعزل مظهره الكمي عن الكيفي، التكويني عن الوظيفي لأنهما متدخلان ومتوقف أحدهما عن الآخر. يقول Rene zazzo  في هذا الصدد: “بالنسبة لاكتساب اللغة يمكن القول أن معجما من خمسين كلمة لا يعني معجم الخمس كلمات مكررا عشر مرات. بل هذا الجديد سيسمح للطفل بتحويل كيفي لأنه مرتبط باستدماج للقواعد والتحكم في التراكيب مما يعني بنيات ذهنية جديدة”ا

الخصائص

 فالاقتصار على مظهر واحد يمثل جانبا من الحقيقة. لذا سنحاول عند تطرقنا لهذه الخصائص أن نزاوج بين المظهرين، مركزين في الوقت نفسه على السمات الأساسية التي يمكن أن تفيد موضوعنا. ورغم أننا سنعمد في الحديث عن هذه السمات إلى التقطيع والتجزيء وتناول كل منحى لوحده، إلا أن هذا التعامل يبقى على المستوى المنهجي. أما في الواقع فيصعب العزل، ويستحيل تحديد أين ينتهي العضوي ليبدأ النفسي، أو كيف نميز الاجتماعي عن الفردي

كما أشرنا إلى ذلك، فإن تسمية مراحل النمو يرتبط بالأساس المعتمد من لدن العالم في التقسيم وما يعتبره الخاصية المميزة لكل مرحلة. وسنتبنى تسمية مرحلة التعليم الأولي لأنها ذات بعد تربوي. تربط النمو بالمؤسسة التي يلتحق بها الطفل ويتعلم في إطارها فتتشكل الكثير من أبعاد شخصيته. وعنها عبرت أجاتا باولي بقولها: “إن هذه الفترة تروحنا دراستها .. لكنها بالنسبة للطفل ليست بفترة هينة ولا هنية .. فيها يكتسب الكثير من الأمور، لكنه يذرف من أجل ذلك الكثير من الدموع”ا

بقلم ذ.نور الدين خير الله رحمه الله

3 Comments

رجاء اترك تعليقا لتجويد الخدمات

فضاء التكوين في مهن التربية